صحيفة البناء ـ
أحمد موسى:
يبدو أن حالة الإهمال والحرمان التي يعيشها أبناء «راشيا الاستقلال» لا تزال مستمرة، على الرغم من تعبيد بعض الطرق، ومنها الطريق الرئيسية الممتدة من ضهر الأحمر حتى مدخل راشيا، وإن بشكلٍ جزئي، وكأنه مكتوب على جبين الريشاني أن يدفع ضريبة الحرب والسلم، وأن يعيش أبداً ودائماً في حالة مزرية، سواء على الصعيدين الحياتي والاجتماعي، أو على الصعيد الخدماتي.
فعلى الرغم من بعض المشاريع الفردية والخارجية، ينطبق على منطقة راشيا «ذات المكانة الوطنية»، اسم بلد الحرمان. كما أن بعض «الإنجازات» لا تعفي الوزارات، خصوصاً الخدماتية منها، من واجباتها تجاه تعويض الأهالي عمّا فقدوه من حقوق في بنى تحتية سليمة وطرق معبدة أثناء الحكومات السابقة، حيث تمتنع اليوم البلدية عن تقديم أبسط مقومات الحياة بحجة أنها عاجزة عن تأمينها بسبب عدم توفر المال، إلا أن المناكفات السياسية المتحكمة بالبلدية، جعلتها أسيرة السياسة الحزبية الضيقة، فعطلت الحياة، وانقسم المجلس البلدي أجزاء مجزأة.
ومن يشاهد طرق المنطقة التي لم تعد صالحة ليس للمواطن فحسب، بل حتى للحيوانات، يشعر بحجم المعاناة والمأساة اللتان يعاني منهما المواطن في راشيا بوجه الأزمات التي تعصف به منذ زمن بعيد.
طرق تشتاق إلى إسفلت الدولة
تشكل الطريق الرئيسية التي تربط ضهر الأحمر براشيا، وما يتفرع عنها من طرق تصل المنطقة بقضاء حاصبيا ـ الجنوب، مصيدة للسيارات والآليات العابرة عليها، وذلك بسبب ما يستشري فيها من حفر. ولا يمكن وصف الوضع المزري، فالطريق محفرة وترابية، ولا يمكن للمواطن أن يسير عليها، وقد يحتاج أحياناً إلى الاستعانة بمركب للمياه حتى يجتازها.
ومن قلب معاناتهم، يطلق الأهالي والعابرون صرخة واحدة تسأل عن موعد انتهاء المعاناة. ولا تقتصر المعاناة على العبور والضرر اللاحق بالسيارات، ففي الصيف غبار وفي الشتاء وحول ومستنقعات. ولم تعرف الطريق ورشة إصلاح أو ترميم منذ عقود، إلا زفت السياسة الإنتخابية، وينتظر الناس عودة الدولة بعد السنوات العجاف للحكومات السابقة، علها تعوض قليلا عن الحرمان الذي عاشوه ويعيشونه. هناك تجد صورة الدولة في عيون الناس في أسوأ حالاتها، وتترجم بغضب شعبي عارم نتيجة عدم التفاتها إلى منطقتهم بعد سنوات طويلة من الحرمان.
حرمان
المضطرون لعبور طرق راشيا والتي تربطها بمناطق حاصبيا ـ الجنوب ـ البقاع، يعدّون إلى المئة، ومن ثم قد يصطحبون معهم ميكانيكي سيارات وقطع غيار حتى يضمنوا الوصول بأمان إلى الجنوب والبقاع مثلاً. هناك تترك الطرق الرئيسية من دون إسفلت، وتصبح محفّرة بعمق وسعة قد تحتضن سيارة بأمها وأبيها، ولا تستطيع الآليات العابرة تحمل مشقاتها، فالخنادق كبيرة الحجم والصغيرة منتشرة بكثافة، وتبعد بضعة أمتار عن بعضها البعض، فما أن تتخلص من مصيبة خندق حتى تقع في الآخر، وتضرب كل قطع السيارة بالأرض، وتصاب بأضرار جسيمة، هذا فضلاً عن الحالة العصبية والنفسية السيئة التي يعيشها الركاب والسائقون خلال تنقلاتهم، إذ يصاب البعض منهم بأوجاع في الرأس وفي الظهر وفي العمود الفقري أيضاً، نتيجة «الخضخضة».
أبو فريد
يتكرر المشهد نفسه، سائق «يلعن الساعة التي قصد بها المنطقة»، وآخر يشتم هذا المسؤول أو ذاك، سيارة تبتعد عن هذا المطب فتقع في آخر، لكن في النهاية لا مفر من الوقوع في خسائر مادية جسيمة. هذا ما قاله السائق أبو فريد لـ«البناء»، الذي أكد أنه يدفع أكثر من 250 دولاراً لتصليح سيارته (الفان) شهرياً بسبب الطرق المحفّرة. يمرّ أبو فريد على الطريق يومياً، ومنذ سنوات وهي على حالها، لا بل «خربت أكتر وأصبحت ترابية ومحفرة ومخندقة وتؤدي إلى حوادث سير، وحتى الأمس القريب لم تبادر الوزارات المختصة إلى تعبيدها».
بدورهم، يصف عدد من أبناء راشيا ممن التقتهم «البناء» الوضع «بالسيئ جداً»، خصوصاً أنه لم يشهد أي عملية تعبيد منذ سنوات عديدة، حيث كانت الطريق ترقّّع من وقت الى آخر خلال فترة الانتخابات النيابية فقط. وعن دور البلدية يشير أحد المواطنين إلى خلافاتٍ ومناكفاتٍ سياسية جعلتها أمام واقع الجمود.
رئيس الجمهورية شهد على التقصير
وبعد جهدٍ جهيد، وبعد أن ملّ أبناء راشيا المناشدات، وفي «غمرة» خير الحكومة الميقاتية، التي أغدقت الأموال على وزارة الأشغال العامة، أفرج عن «جزء» من حصة راشيا، فأوعز إلى إحدى شركات التعهدات بالأشغال، التي عملت على تأهيل الطرق في عدد من قرى البقاع الغربي وراشيا، ومنها طريق ضهر الأحمر ـ راشيا، وبدأت العمل، فبرشت الطريق وحفرتها وأهلتها وعبّدتها، إلا أنها اصطدمت بـ«حردة» الوزير العريضي يوم أقفلت «حنفية التمويل»، إلا أن الشركة استمرت في أشغالها، على الرغم من عدم توفر الأموال لها، وشهد على عملية التأهيل رئيس الجمهورية ميشال سليمان يوم زار قلعة راشيا الاستقلال في 22/11/2011/ فعبر الطريق قبل أن يعبرها الزفت، وبعدها عبّد الطريق بعد أن أفرج عن الأموال والمستحقات اللازمة لذلك.
ويشير ربيع سرحال الذي أشرف على أعمال التأهيل والتعبيد لطريق ضهر الأحمر ـ راشيا إلى «البناء»، أن «وضع الطريق كان سيئاً، ولم تنعم بمزايا الإسفلت الحقيقي الذي تنعم به قرى أخرى، وكان أبناء المنطقة يتجنبون عبورها في معظم الأحيان في الوقت الذي نعيش حالة اقتصادية سيئة، يصعب معها إصلاح الأعطال. فعمل الوزير وائل أبو فاعور على ضرورة تأهيل هذا الطريق، ورصد المبالغ المالية المحقة لأبناء راشيا، فكان وزير الأشغال غازي العريضي حريصاً على نيل أهالي راشيا حقوقهم أسوةً بالمناطق اللبنانية كافة، انطلاقاً من مقولته الشهيرة «وزارة الأشغال هي وزارة لكل لبنان»، وتحقق الهدف المنشود لأبناء راشيا، علّهم في ذلك يكونون قد نالوا قسطاً من حقوقهم عند الوزارات المختصة».
خطر الإهمال
وشدّد أهالي راشيا على تفعيل دور الدولة الخدماتي من خلال وزاراتها المختصة تجاه أبناء هذه المنطقة. وتجاه إهمالٍ كهذا، سواء كان متعمداً أو بالصدفة، وبدلاً من العمل على تأمين جميع مقومات الحياة في منطقة عانت الكثير من عهد الحكومات السابقة وتجاهل النواب لهذه المطالب، يرى الأهالي ان الإهمال وإعطاء الأذن الطرشاء لطلباتهم وحاجاتهم، سوف يدفع المواطنين إلى الهجرة المدمرة التي تجتاح لبنان، والتي لا تميز بين طائفة وأخرى، أو بين الكبير والصغير، أو الفقير والغني.
الموضوع السابق
الموضوع التالي