مطمـر كسـّارة الجيّـة: البلديات تستنفـر بعـد تسريـب محضـر جلسـة التنظيـم المدنـي
صحيفة السفير ـ أحمد منصور:
قفز مشروع تحويل كسّارة الجية – بعاصير إلى مكبّ ومطمر للنفايات في منطقة إقليم الخروب إلى الواجهة مجدداً أمس، في ظل الفوضى وهشاشة الأوضاع وغياب القرارات، وخصوصاً بعدما حصلت بلديات المنطقة على محضر جلسة «المجلس الأعلى للتنظيم المدني»، التي عقدت في 12 كانون الثاني الماضي، والذي أكّد «أن المنطقة المحاذية لموقع المقلع (الكسّارة) ما زالت خاضعة لموافقة المجلس الأعلى لجهة تحديد نظام البناء ووجهة الاستعمال، وفقاً لتقديم الدراسات العائدة للمطامر في لبنان»، وذلك بناء على قرار من مجلس الوزراء و»مجلس الإنماء والإعمار». ويحتل الموضوع حيزاً كبيراً من اهتمام أهالي المنطقة، الذين يؤكدون أن «من يريد مواجهتنا بالمطمر، فليتحمل مواجهتنا في الشارع». كما سيكون المشروع، الذي بات يسمى بـ»شبح الموت»، محور اجتماع رئيس «جبهة النضال الوطني» النائب وليد جنبلاط مع بلديات الإقليم في بلدة الدبية، بعد ظهر اليوم.
وقد أثار الموضوع حفيظة أهالي الإقليم والبلديات التي سُرّب إليها المحضر، وعلى وجه الخصوص بلديات المحور المحاذي لموقع الكسّارة (بعاصير، والجيّة، والبرجين، والدبيّة، وضهر المغارة)، وذلك بعد الاعتراضات الأخيرة، والرفض العارم للمشروع جملة وتفصيلا. وكانت قد قُطعت بعد الاعتراضات وعود بإعادة تصنيف المنطقة المحاذية لموقع الكسّارة، بناء على الاقتراحات والتعديلات التي تقدمت بها بلدية بعاصير إلى التنظيم المدني. وترافقت حينذاك مع نفي وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال محمد رحال، وبعض الجهات السياسية في المنطقة، إقامة أي مطمر للنفايات في الاقليم. ولكن تلك التصريحات جاءت مناقضة للمستندات والوثائق لدى الوزارات والدوائر الرسمية.
ويبدو من الوضع أن هناك محاولات لتمرير المشروع في الكواليس والخفايا، لتكريسه رسمياً لقطع الطريق على الاعتراضات التي قد تثارعليه، حيث تمّ تأمين الأرضية له من خلال شراء عدد كبير من العقارات في الكسّارة ومحيطها، ما يطرح علامات استفهام عديدة حول تلك الخطوات، فيما باتت ملاحقة الموضوع تزعج مروّجيه من خلال الكشف عن تفاصيله.
وكان للمحضر المسرب وقع كبير على البلديات والأهالي، إذ أكّد الجميع أنهم ذهلوا وصدموا مما جاء فيه، ما زاد من قلقهم وخوفهم من وجود نية جديّة في تنفيذ المشروع في موقع الكسّارة المذكورة. وتعيش المنطقة على خلفية المشروع ومفاعيله وتداعياته حالا من القلق، وسط مخاوف تنتاب أهالي الإقليم وبلدياته مما يجري في مدينة صيدا، لجهة موضوع النفايات وكيفية التخّلص من جبل النفايات فيها، إذ يتخوف الجميع من أن يتم تصدير جبل نفايات صيدا إلى موقع كسّارة الجيّة عبر صفقة غير مرئية تبرم لمصالح وحسابات تجارية ومادية، على حساب بيئة المواطنين وسلامتهم وحياتهم. ويشير العديد من أبناء الاقليم إلى أن التجارب الماضية والمريرة مع النفايات في الإقليم، تضع كل الاحتمالات في الحسبان، وتؤكّد على عدم وجود ضمانات في ضوء رائحة النفايات التي تخيم وتعبق في أجواء المنطقة وتفتش عن مكان لها.
وقد وضع الأهالي منطقة الكسارة تحت المجهر والمراقبة، خشية أن يتم تهريب النفايات من صيدا إليها تحت جنح الظلام. ويجمع المراقبون على أن ما يجري داخل الكسّارة، وما ينقل إليها غير مطمئن ويدعو إلى القلق، انطلاقاً من أنها منطقة مغلقة ولا يسمح بدخولها حتى لشرطة البلدية إلا بعد أخذ الإذن من القيمين عليها. كما رفعت بلديات المنطقة درجة الاستنفار لمواجهة المشروع بكل الوسائل الممكنة والمتاحة لمنع تمريره، تحت شعار أنه «مشروع الموت السريع لنا ولأجيالنا، والمهجّر لنا مجدداً».
ويقول رئيس بلدية بعاصير أمين القعقور: «وعدونا بوضع مخطط توجيهي جديد، لا سيما في المنطقة التي صنفوها انتقالية بمحاذاة الكسّارة على أن تصنّف للبناء بنسبة مئوية معينة، خصوصاً أن المنطقة فيها أكثر من سبعة مشاريع سكنية»، لافتاً إلى أن «عملية البناء توقفت كونها منطقة انتقالية. وكنا قد تقدمنا بكتاب إلى التنظيم المدني لتعديل التصنيف، ولكن للأسف تسرب لنا محضر جلسة التنظيم، الذي يشير إلى أن المخطط التوجيهي ما زال على حاله، وأن المنطقة ما زالت تخضع لإنشاء المطامر». واستغرب القعقور «عدم معالجة المسألة قبل استقالة الحكومة، فهل تكافأ منطقة الاقليم بمشروع مميت كهذا؟»، لاحظاً أن «الموضوع لا يمكن أن يحله مدير عام، بل يلزمه قرار من مجلس الوزراء لإلغاء قراره السابق». وحذّر قعقور من أن أهالي الإقليم لن يسمحوا «لشبح الموت من أن يستوطن في منطقتنا، ويهدد حياتنا، وبيئتنا وصحتنا، وسنقف جميعنا في الإقليم ضد المشروع، وإن اتخذ قرار رسمي فيه. وسنكون نحن والأهالي على الأرض بوجهه، فالقصة لم تعد لدى بعاصير فقط، بل هي باتت تخص معظم بلديات وأهالي الاقليم وفاعلياتها».
واعتبر قعقور أن «الهدف من المشروع هو تهجير أهالي المنطقة»، مؤكداً أن «أضراره وملوثاته تتخطى بعاصير، وتصل إلى معظم قرى وبلدات الإقليم والشوف».
ويسأل نائب رئيس «اتحاد بلديات إقليم الخروب الشمالي» رئيس بلدية الجيّة الدكتور جورج نادر القزّي: «لماذا رئاسة الوزارة، ومجلس الإنماء والإعمار، يبقيان الموضوع سيفاً مصلتاً علينا». ويقول: «نريد أن نعرف من الذي اختار الموقع واقترحه، فلن نرضى به لا تحت الدرس ولا قيد الدرس، فالقرار في مجلس الوزراء وفي مجلس الإنماء والإعمار، وسنواجه عن طريق السياسيين والأحزاب والنقابات والأهالي»، معتبراً أن المشروع «هو قضاء علينا ونحن أحياء، وإذا كان لا بد من الموت، فلنمت بشرف وعزّة، حيث ستكون المواجهة في الشارع، فلا يحق لهم مصادرة أراضينا على ذلك النحو، إنه مشروع الموت والإعدام للمنطقة، ونحن نريد إقليم الخروب إقليم السياحة والإنماء لا إقليم النفايات». ويعتبر القزّي أنها «مؤامرة كبيرة تستهدف الإقليم»، مشددا على أن «قرار الاتحاد والبلديات هو التصدّي للمشروع بكل الوسائل»، محذّرا من أن «الذي يريد مواجهتنا بالمطمر، فليتحمّل مواجهتنا في الشارع».
من جهته يلفت رئيس بلدية ضهر المغارة الياس داغر إلى أن «الخطوات في وجه المشروع ستكون على الأرض، وبالتعاون والتنسيق مع القوى السياسيّة»، معتبراً أنه «إذا مرر فسيدفع بالأهالي إلى مغادرة البلدة هرباً من الأمراض، والأوبئة، والتلوث، الذي يحدثه المشروع القريب من المواقع السكنية». ويناشد داغر الجهات المعنية «إلغاء المشروع من النصوص والنفوس»، مشدداً على «ضرورة الوقوف بوجه المشروع مهما كانت الأثمان».