اللامركزية الإدارية… من التنظير إلى التطبيق
صحيفة الجمهورية ـ
جويس الحويس:
اللامركزية الإدارية، مطلب غالبا ما يردّده معظم رؤساء البلديات، إلّا أنّ أغلبيتهم تردد هذه النظرية من دون التعمق في مدلولاتها وأفقها أو تداعياتها على الساحة المحلية.
“الجمهورية” تستعرض شؤون ما يسمى باللامركزية الإدارية وشجونها، في إطار السعي إلى إيضاح الصورة أكثر.
منذ اتفاق الطائف في العام 1989، واللامركزية الإدارية أصبحت الحلم الذي يتحدّث عنه كل لبناني. ومنذ عقدين، والمشروعات والاقتراحات والأفكار في مدّ وجزر، بين الارتباكات السياسية، والانفجارات الميدانية. فالإدارة المركزية غير قادرة على تحقيق التنمية المتوازنة أو الالتفات كفاية إلى المناطق النائية لرفع مستوى الخدمات العامة والبنى التحتية فيها.
مشروعات واقتراحات قوانين كثيرة جرى تداولها خلال العقود الأخيرة، لكنّ أيّا منها لم يسلك دربه حتى اليوم إلى مناقشة مؤسساتية واضحة تفضي إلى إقراره.
إنّ تطبيقا ناجحا للامركزية يمكن أنّ تنعكس نتائجه إيجابا على مختلف الفئات الاجتماعية، البشرية، المهنية، الثقافية والسياسية.
في هذا الإطار تحدثت “الجمهورية” إلى المحامي الدكتور أنطوان أنطوان سعد، أستاذ جامعي متخصص بالقانون العام، الذي شدّد على أنّ اتفاق الطائف فرض على الدولة اللبنانية إجراء التعديلات اللازمة، أولا تعديلا دستوريا لإقرار قانون اللامركزية الإدارية، “فاللامركزية الإدارية يجب ألّا تؤخذ بمفهومها التقليدي، بمعنى إعطاء بعض الصلاحيات للسلطات المحلية، بما فيها البلديات، أو إعطاء بعض الصلاحيات للقائمقام أو المحافظ أو لبعض المؤسسات العامة لتحلّ مكان الوزارات”.
المطلوب، حسب سعد، إزالة بعض الصلاحيات عن كاهل السلطة المركزية، وتوزيعها على السلطات المحلية، معتبرا أنّ نموذج اتحاد البلديات يجب تطويره، فهذه السلطة بمقدورها تنظيم أنشطة كبيرة في قطاع البيئة، وصولا إلى قطاع الصحة مرورا بالتربية والسياحة ومراقبة الأسعار، والسلامة المرورية في إطارها المتقدّم، وحتى في بعض الجوانب ممارسة سلطة الضابطة العدلية بصورة أولية.
إنشاء المؤسسات المحلية جزء لا يتجزأ من تطبيق اللامركزية الإدارية، فهناك ضعف في الاتصال بين السلطات المركزية والسلطات المحلية، إضافة إلى وجود كلفة عالية في عدد الموظفين ومردود ضئيل من حيث الإنتاج.
واستغرب سعد أن تحتاج أبسط المعاملات إلى عدد هائل من التواقيع التي لا مبرّر لها، فعلى سبيل المثال لا الحصر، قيود الأحوال الشخصية بحاجة إلى توقيع واحد من سلطة محلية وقيد في دوائر النفوس وليس إلى كمّ هائل من التواقيع لا مبرر قانونيا له، بل هدر للوقت والإنتاجية وإلحاق أضرار جمة بالمواطنين، إضافة إلى وجوب اعتماد المكننة في هذا الصدد، منتقدا أيضا الطريقة البدائية في دفع الضريبة، مشدّدا على ضرورة اعتماد التقنيات الحديثة في هذه المسائل.
السلطة المركزية عاجزة في الوقت الراهن عن إلزام المؤسسات احترام القوانين، فهي أثبتت فشلها في إمكان الرقابة وحث المناطق على تنفيذ التعاميم كافة.
ويشرح سعد أنّ هناك نوعين من اللامركزية الإدارية يجب أنّ يطبقا: اللامركزية المحلية الضيّقة التي تنحصر في إطار البلديات، وأخرى تتمثل بإعطاء مساحة أكبر للاتحاد التي هي قادرة على جباية ما يعرف بالضرائب المحلية التي تغني صندوق البلديات، وتساهم في تطوير المشروعات الإنمائية، و”يمكنها أنّ تصل إلى تأمين 90 في المئة من الأنشطة التي تؤمّنها الدولة. وبقدر ما يثبت هذا الاتحاد نجاحه في تولي إدارة السلطة المحلية، يؤمن الشعب بقدراته ويعطيه الثقة عند كل استحقاق انتخابي”.
إنّ تأمين الرقابة الجيّدة على حسن تنفيذ اللامركزية الإدارية هو شرط رئيس للحد من تبعاتها السلبية، حسب ما أوضح سعد، مشيرا إلى ضرورة أن يكون عنصر الكفاية هو المعيار الأساس في إطار تداول السلطة، من أجل تحسين الأداء الإداري.
إقرار اللامركزية الإدارية يجب أن يتم بتعديل دستوري بسيط، وهذا القانون هو أكبر قانون يمكن أن يخرج الدولة من الفساد والشلل والعجز الإداري وبطء سير المعاملات تلبية لحاجات المواطنين.
معظم القوى السياسية متوافقة على أنّ هناك خللا معيّنا في الوضع الإداري، سواء من حيث الشلل أو من حيث البطء في تلبية حاجات المواطنين. وكشف سعد أنّ مشروع قانون اللامركزية الإدارية الذي تقدمت به الرابطة المارونية وشارك في إعداده، أصبح اليوم في عهدة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، لافتا إلى أنّ المشروع أعدّ بعد الاطّلاع على قوانين حديثة في البلدان المتقدمة في إطار اللامركزية الإدارية، بما يتناسب مع المجتمع اللبناني. وختم، متمنّيا أن يصبح الاتحاد قوّة تشريعية، “لا تشرّع في قوانين مصيرية في البلد، مثل قضايا الأمن والعلاقات الخارجية، بل في القضايا التي تتعلق بالحاجات اليومية للمواطنين من صحة وأنظمة استخدام، وسياحة وكهرباء…”
على أي حال، إنّ أي نظام من أنظمة اللامركزية الإدارية ليس صالحا أو فاسدا بالمطلق، إنما كيفية تطبيقه تظهر مدى ملاءمته لطبيعة البيئة التي يطبق فيها، فالنظام بحاجة إلى مراجعة مستمرة في ضوء التطبيق العملي لسدّ الثغرات، ليأتي منسجما مع الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية… وللملف تتمة.