وطى الجوز… السياسة تحمي تَشويه الطبيعة
صحيفة الجمهورية ـ
جويس الحويس:
قصّة إبريق الزيت تتكرر متنقلة بين المناطق اللبنانية كافة، فإذا خَمدَ صوت في بلدة، تراه يصدح في أخرى، وربّ من يسمع ويستجيب لصرخات هذا المواطن الذي يكدح منذ ساعات الصباح الأولى لتأمين لقمة عيشه، ليعود مساء إلى منزله ليرتاح، فيتفاجأ بأصوات كسارات، وهدير شاحنات، لا تتوقف حتى ساعات الليل المتأخرة.
هذه هي حال أبناء بلدة وطى الجوز الكسروانية، الذين عَلَت صرخاتهم منذ أيام قليلة، فرفعوا اللافتات المندّدة، لعلّ الصوت يصل، وينظر المعنيون إلى حالهم.
“نحنا أبناء وطى الجوز بَدنا نِتنفّس”، شعار طغى على أغلبية اللافتات التي رفعت في باحة القصر البلدي، حيث تجمّع الأهالي منددين بالتشويه الذي يلحق ببلدتهم صحيّا وبيئيا.
أساس المشكلة
الأزمة في بلدة وطى الجوز بدأت منذ العام 1997، حيث نفذ الأهالي آنذاك اعتصاما احتجاجا على وجود الكسارات والمرامل في البلدة، فقاموا حينها بزيارة للبطريرك مار نصر الله بطرس صفير، وتمّ رفع طلب إلى وزير البيئة أكرم الشهيب، صدر، على أثرها، قرار مجلس الوزراء الذي أوقف كل الانتهاكات الحاصلة في المنطقة، خصوصا أنّ “كل المعتدين لا يملكون رخصة بمحفار أو كسارة”، وفق أحد الناشطين البيئيين في المنطقة، فتوقفت الكسارات والمقالع عن العمل حتى عام 2005، ثم عادت لتنمو من جديد في البلدة.
على الأثر، تمّ تشكيل لجنة من عشرة أعضاء لمتابعة الوضع ورفع الصوت إلى المسؤولين، “ومع ذلك، تابعت هذه الكسارات عملها، وتضخّم حجمها بشكل لم تعد تستوعبه المنطقة”، فعملت اللجنة مع وزارة البيئة ورئيس الجمهورية بشكل جدي ودقيق، الى ان صدر المرسوم 1735 الذي استثنى منطقة وطى الجوز وعين الدلبة من المحافر والكسارات، وشدد على ضرورة خَتم كل محفار أو كسارة، لا يملك الترخيص المناسب، بالشمع الأحمر. وهذا ما حصل، إلا أنّه بعد أسبوع، عادت الكسارات الى العمل بشكل طبيعي، فاتصل أهالي البلدة بالقوى الأمنية للتبليغ، إلا أنها اعتبرت أنّ الأهالي غير محقّين، وكانت دورية قد قامت بجولة في المنطقة في ذلك اليوم، ولم تلحظ أي نشاط غير اعتيادي فيها.
ولمّا لم يلق الأهالي أي تجاوب من قبل هذه القوى، اتصلوا بالضابط المسؤول عن المنطقة، فأبلغهم أنه شخصيا قصد المكان وتحقق من عدم عمل أي كسارة، وما لبث أن طلب من الأهالي، وفق الناشط البيئي، أن يتمّ تصوير هذه الكسارات خلال دوام عملها، فيفاجأون في اليوم التالي بانتشار كثيف للحرّاس على مداخل الكسارات والمرامل، إلا أن الحظ وقف إلى جانبهم وتمكنوا من تصويرها بطريقة متخفية، بحضور اثنين كشهود على الموضوع، وحصل الناشطون البيئيون على موعد مع وزير الداخلية والبلديات زياد بارود في اليوم نفسه، فعرضوا عليه الفيلم الذي تمّ تصويره، “فحوّلنا على مسؤول أمني رفيع المستوى، لنتوصل معه إلى التدابير المناسبة. وبدوره أحالنا المسؤول الى مخفر المنطقة، يعني أعادنا إلى الصفر”.
ويكشف المصدر أنّه حين قررت اللجنة رفع دعوى بحق أصحاب هذه المعامل، تدخّل بعض الوزراء والنواب في المنطقة، ناصحين اللجنة بالعدول عن خيارها، نظرا إلى النفوذ الكبير الذي يتمتع به هؤلاء والدعم السياسي المطلق من قبل إحدى الجهات الحزبية اللبنانية.
وأشار إلى أنّ أصحاب هذه المعامل لديهم “شركاء ذات نفوذ ضخم في الدولة”، ويهددهم بفضح هويتهم في حال التعرّض له وتهديده بإقفال كسّارته.
ومنذ أسبوعين، استعانت اللجنة بالقوى الأمنية لختم أحد المحافر الذي يمتد على مساحة 250 ألف متر بالشمع الأحمر، بعد أن أصدرت البلدية قرارا بذلك، إلا أنّ المحفار عاود أعماله بعد فترة قصيرة من الوقت، غير آبه بالقرارات المتخذة. ويشير المصدر إلى أنّ الجبل حيث يتواجد هذا المحفار بدأ حجمه يتضاءل والثروة الحرجية فيه تضمحل، فلقد تمّ اقتلاع ما يقارب الـ 200 شجرة صنوبر حتى اليوم.
واللافت أنّ محافظ جبل لبنان أصدر قرارا، سمح بموجبه للكسارات باستثمار الأرض تحت تسمية “بورة لبيع مواد البناء”، على ألا تتعدى الكمية 100 متر مكعب، وهذا القرار أعطي لكسارات موجودة أساسا، “هذا القرار هو استخفاف بعقول الناس” وفق كلام المصدر.
وحول التحرّكات المستقبلية المَنوي متابعتها، كشف المصدر أنّ الأهالي سيعقدون لقاء مع البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، الأسبوع المقبل، لإطلاعه على مجريات الأحداث.
والبلدية توضح
ويشرح رئيس بلدية وطى الجوز، مارون ابي غانم، لـ “الجمهورية”، أنّ المقالع والكسارات ازدادت بشكل كبير في المنطقة، مشددا على أنّ البلدية ستعمل على سحب أي رخصة مرملة سبق وأعطيت، ولن تمنح الرخص بعد الآن. كذلك، ستعمل جاهدة من اجل تنظيف المنطقة.
وأكد أبي غانم أن التظاهر كان الخطوة الأولى باتجاه حَثّ المسؤولين على اتخاذ الإجراءات اللازمة، كاشفا عن رفض البلدية إعطاء ترخيص جديد لإنشاء كسّارة جديدة، “كلفنا محاميا لملاحقتها في الدوائر الرسمية”، معتبرا أنّ “العقدة في التنفيذ، وعلى القوى الأمنية أن توقف هذه الكسارات عن العمل”.
ولفت إلى أنّ “هدفنا تنظيف المنطقة نهائيا من كل ما يتسبب بالتلوّث، سواء على صعيد البيئة او مصادر المياه، وإعادة بلدتنا خضراء كما كانت سابقا”.
وختم مُعربا عن تفاؤله لجهة تجاوب المرجعيات المعنية مع طلباتهم.
والمعروف انه، بين التفاؤل والتشاؤم، المواطن يدفع الثمن، كما درجت العادة حتى الآن.