موقع سد بسري المعرّض للتدمير
صحيفة السفير ـ
أحمد منصور:
تُطرح على الإجراءات والخطوات المتسارعة التي يقوم بها مجلس الإنماء والإعمار، وعدد من الوزارات بشأن موضوع وضع خارطة الطريق لمشروع إنشاء «سد وبحيرة بسري»، موضع التنفيذ، أكثر من علامات استفهام، لاسيما بعد صدور مرسوم حمل صفة «المنفعة العامة» للسدّ والبحيرة والطريق المؤدّي الى بركة «انان»، بناء على طلب مجلس الإنماء والإعمار بتاريخ 27/5/2015، وتصديق الحكومة عليه ونشره في الجريدة الرسمية بتاريخ 4/6/2015، على الرغم من الاعتراضات والرفض لهذا المشروع من قبل شريحة من ابناء المنطقة المزارعين والبلديات والمخاتير. يحصل كل ذلك، بالرغم من ان المناطق المتعلّقة بسدّ وبحيرة بسري هي مُصنّفة مواقع طبيعيّة محميّة بموجب القرار الوزاري رقم 131 لسنة 1998(وزارة البيئة)، ضمن تصنيف نهر الأوّلي من المنبع الى المصبّ طولاً بما فيه 500 متر كحرم النهر والذي يشمل جميع الأراضي المصابة. بالإضافة الى هذا القرار الوزاري، صدر في 20 حزيران 2009 المرسوم 2366 تحت عنوان «الخطّة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانيّة»، حيث تمّ تصديق تصنيف نهر الأولي ومجرى نهر بسري (ثروة طبيعية وطنيّة) أي كمنطقة خضراء طبيعية محميّة.
هذا الموضوع يُرخي بظلاله في المنطقة، ويعكس استياء لدى المواطنين الذين يعتبرون أنفسهم أن لا حول ولا قوة لهم أمام سكة الحكومة الآتية اليهم، ظناً منهم أن المشروع يحمل لهم «الجنة» و «المن والسلوى»، بل إنه كما وصف الأهالي «سيقطع أوصال المنطقة ويضعها تحت دائرة الخطر الشديد لكون المنطقة تقع على فالق زلزالي، وهي عرضة دائمة للزلازل». وهذا ما يؤكد أن المشاريع في بلدنا دائماً وبحسب الوقائع والتجارب، تكون دائماً بناء على صفقات ووفق مصالح ومنافع خاصة لا منفعة عامة كما يدّعي اصحاب المشاريع.
ملاحظات أولية
في هذا المجال، قدّم المنسق العام للائتلاف المدني الرافض لمشروع سد بسري رجا نجيم ملاحظات أولية على السد وضمّنها دراسة الأثر البيئي، فسأل «أين قانون المياه (Code de l’Eau) ودراسة التقييم الاستراتيجي للمياه التي على أساسها يتم إقرار إنشاء المشاريع للمياه في لبنان؟»، مشيراً إلى «أنّ السبب الرئيسي لإعطاء وزارة البيئة موافقتها، بالرغم من الملاحظات السلبيّة تماماً فيما خصّ الجيولوجيا والجيوتقنية وحتّى موقع منشأة السدّ، هو أنّ هذا المشروع يتمّ تمويله من قبل البنك الدولي ومن المفروض أن يكون قد قام هذا الأخير بجميع الخطوات الرقابيّة والتقييميّة قبل الموافقة على القرض!؟». وقال: «تبيّن لنا اليوم أنّ الواقع مُختلف تماماً حتّى في ما يتعلّق بدراسة الجدوى وجدولة إعادة تحصيل واسترداد الاستثمار الأساسي، الأمر الذي دفع الإدارة بغية الحصول مثلاً على هذا القرض بحوالي 474 مليون $ (بالإضافة الى 200 مليون $ تمّ تحويلها من المشروع السابق «الوهمي» بجرّ المياه من الليطاني – بحيرة القرعون الى بيروت)، على استعمال إسم «بيروت الكبرى» (من الجيّة جنوباً الى نهر الكلب شمالاً) لهذا المشروع مع عدد مُشتركيها الرسميّين النصف مليون تقريباً، بالتشبيه مع عدد المشتركين في مناطق جزين والشوف، والذي هو أقلّ بكثير!؟ فالحاجة الإجماليّة السنويّة الحالية لبيروت الكبرى هي بحدود 181 مليون م3 أي بمعدّل متر مكعّب واحد كل يوم لكل مُشترك»، معتبراً «أن مرسوم الاستملاك بالشكل الذي صدر فيه تم خلاله استعمال وسائل تزويريّة من قبل الإدارة وإعلان معلومات كاذبة ومُحوّرة»، مشيراً إلى «أن هذا لم يُرافقه أي تصديق لنُظُم إضافيّة تؤمّن التعويض العادل الحقيقي الذي من المؤكّد أنّه لن يتمّ أبداً، إذ إن العدّ العكسي لوضع اليد على أملاك الناس قد بدأ…! وأي نظام جديد يتمّ اعتماده بالنسبة لهذا المشروع سيُلزم الحكومة بتطبيقه على جميع المشاريع الأخرى المماثلة ممّا يعني دفع أموال إضافيّة وهدر إضافي إن كانت هذه المشاريع من مجموعة مشاريع السدود الجبليّة نفسها والمعروفة جيّداً حتّى اليوم (مثلاً: سدّ جنّة وبلعه وحمانا والمسيلحة وبريصا وسواها…)».
وأضاف «هنا لا يجب الوقوع بالفخ وحصر الموضوع كأنه على ضوء أنّ «التنظيم المدني» وضع هذه المنطقة تحت الدرس، لذلك يكفي للإدارة أن تحصل من مجلس الوزراء على قرار لإصدار مرسوم منفعة عامة لمصلحة مشروع السد وملحقاته؛ بل بما انّه حصل ذلك، فهو من جهة يخضع لشروط النشر ويمكن الطعن به ومن جهة أخرى هذا الإجراء لا يجب أن يكفي للمباشرة بالأعمال (عن طريق تصديق مرسوم الاستملاك)، إذ تمّ تصنيف هذه المناطق كمواقع طبيعية محميّة أيضاً استناداً لمبدأ المصلحة العامة عن طريق مرسوم واضح وصريح! لذا يجب إصدار مرسوم آخر يلغي هذا التصنيف لهذه المنطقة…!».
ويسأل: «متى ستتصرّف الإدارة كدولة حقيقيّة تحترم مضمون قراراتها؟ فبعد أن تكون قد قامت منذ سنين بتصنيف لحمايتها مناطق كاملة، تعود اليوم وتتقدّم بطلبات تؤدّي الى إزالة هذا التصنيف بغية القيام بمشاريع مشبوهة غير مؤكّدة النتائج ولها آثار سلبيّة مُدمّرة للبيئة والآثار والتراث… التي من المفروض ان تكون جميعها محميّة من قبلها… وكل ذلك باستعمال مبدأ «المنفعة العامة»، الذي أصبح شعاراً واهياً وواهناً بخدمة الإدارة المسؤولة (الجاهلة أو الفاسدة) وليس لمصلحة الوطن والمواطنين؟».
ورأى «أن ادعاءات الإدارة المُلتوية في ما خصّ أهمية سدّ بسري، ادّعاءات فاقدة لأيّ شرعيّة علميّة وبيئيّة…، النصوص القانونيّة والموجبات الوطنيّة، كما واجب الحفاظ وحماية الحياة والبقاء، خصوصاً للأجيال القادمة تمنع تشويه هذه المناطق والمسّ بها». واعتبر «أن طلب مجلس الإنماء والإعمار اليوم من الحكومة بتصديق صفة «المنفعة العامة» للسدّ والبحيرة والطريق المؤدّي إلى بركة «انان» ليس إلا مناورة رخيصة وقاعدة أساس لإرتكاب جرم بل جرائم موصوفة بحقّ الإنسان والبيئة والاقتصاد وحتّى بحقّ الكيان، خاصة أنّه لم يوضح للحكومة حقيقة وضع آراء ومواقف المواطنين والبلديات والاختصاصيّين، منهم بلدية الميدان ولجنة نهر الليطاني، كما أهالي بيروت الرافضين لهذا المشروع… بل تمّ كالعادة تضليل مُمنهج لأعضاء مجلس الوزراء وقد سرت الخدعة عليهم، بالرغم من صحوة القليل القليل منهم!».
إنكار رفض البلديات والمخاتير
وتابع «الفضيحة الأكبر والأعظم هي صدور المرسوم عن مجلس الوزراء بهذا الخصوص ونشره في الجريدة الرسميّة (المرسوم رقم 2066 تاريخ 27/5/2015 – نُشر في الجريدة الرسميّة عدد 23 تاريخ 4/6/2015) محتويّاً أيضاً على لائحة بأرقام العقارات التي سيتم استملاكها كليّاً او جزئيّاً، ممّا يعني أن هذا المرسوم هو في الوقت نفسه مرسوم إعلان «منفعة عامة» ومرسوم «استملاك». لكن ضمن نصّه سمح لنفسه مجلس الإنماء والإعمار كما وزارة الطاقة ان يُزوّرا الحقيقة في وصف الوقائع المنقوصة وهكذا جعلوا من كل من وقّع على هذا المرسوم (18 وزيراً + رئيس المجلس + نائبه) شركاء في فعلتهم».
وقال نجيم: «تم إنكار رفض بلدية الميدان في قضاء جزين، على الرغم من أنها الرافضة الأولى للمشروع والتي أرسلت كتباً عدة وقامت بزيارات متعددة لمجلس الإنماء والإعمار رفضاً للمشروع جملة وتفصيلاً. كما تم زج اسم «دير المخلّص» ضمن موافقة «قائمقام جزين» على عكس ما كان قد ورد في الطلب المُقدّم أساساً الى مجلس الوزراء، ومن دون أن يكون قد تمّ الحصول على موافقة مُسبقة من دير المخلّص! علماً انّ دير المخلّص هو في الشوف!؟ والسبب ليس إلاّ لتبرير تغطية مساحة كبيرة من العقارات المطلوب استملاكها، فمن جهة يملكها دير المخلّص ومن جهة أخرى هي ضمن مناطق عقاريّة لم يتمّ الرجوع الى سلطتها الإداريّة وأخذ رأيها، خوفاً من الحصول على رفض إضافيّ للمشروع».
رئيسة بلدية الميدان في قضاء جزين المحامية نورما الفغالي اكدت لـ «السفير» انه «يتم بذل جهود كبيرة لمنع هذا المشروع التدميري في المنطقة»، وقالت لن يمر ولو اضطررنا الى افتراش ضفاف نهر بسري بأجسادنا»، لافتة الى «ان المخاوف كبيرة من المشروع بسبب الفالق الزلزالي الموجود تحت موقع السد والبحيرة»، مؤكدة الاستمرار في رفض المشروع جملة وتفصيلا»، مشيرة الى انه بتاريخ 16 ايار الماضي جدد المجلس البلدي رفضه للمشروع وانه تم ارسال كتاب الرفض وقتها الى قائمقامية جزين ومحافظ الجنوب، وطلبنا منه ارسال نسخة منه الى وزير الداخلية ومجلس الانماء والإعمار»، معتبرة ان هناك تزويرا واحتيالا على الناس في اصدار المرسوم بسبب وجود عدد كبير من المعترضين والرافضين للمشروع»، ورأت «ان المشروع كارثي على المنطقة»، مشيرة الى ان بلديات المنطقة ونوابها زاروا مجلس الانماء والاعمار مرات عدة وابلغناهم رفضنا وتحفظنا على المشروع»، مبدية اسفها الشديد من ان دير المخلص يسير بالمشروع ولا يعلمون شيئاً عنه، حيث يقتطع مساحات شاسعة من اراضي الرهبانية المخلصية في المنطقة».
أما رئيس بلدية قيتولة المحامي فؤاد الحاج فرأى ان هناك عيبا وغشا في شكل اصدار المرسوم كمنفعة عامة، خصوصا ان هناك اعتراضات ورفضا للمشروع»، لافتا الى ان مجلس الوزراء عندما يأخذ هذا القرار بممارسته صلاحيات رئيس الجمهورية يقرأ النص الوارد له والذي يقول في مقدمته ان كل الناس موافقة على المشروع بعكس الواقع على الارض، وانه لو ذكر بالنص ان هناك اعتراضا من البلدية لما صدر المرسوم»، مستغربا اصدار المرسوم على الرغم من ان وادي بسري مصنف محمية طبيعية وهي مرسوم بمثابة منفعة عامة، فكيف يمكن ان تلغي منفعة عامة تحت حجة منفعة عامة ثانية بهذه البساطة»، مؤكداً ان المشروع كان يفترض تحويله الى وزارة البيئة ومناقشة هذه النقطة بالذات»، مشيراً الى ان سهل بسري هو السهل الوحيد في منطقة جزين ويسهم في تشغيل اليد العاملة لجزين وقراها حيث يوجد اراضٍ خصبة ومناخ مميز»، ورأى على المستوى السياسي «هناك فشل كبير في اختيار السدود لتأمين مياه الشفة»، معتبرا ان هناك علامات استفهام كبيرة في اختيار سد بسري كونه اغلى مشروع سد وتم عرضه على البنك الدولي بكلفة حوالي 500 مليون دولار اميركي وغيره من مؤسسات اخرى، لافتاً الى ان الكلفة قد تبلغ مليار دولار»، معتبراً انهم اختاروا أعلى كلفة بناء سد لأنه اكبر التزام وجميع السياسيين يستفيدون منه، فهم يختارون أكبر عجل لأكله»، مبدياً اسفه الشديد للديون التي تتكبّدها البلاد بسبب هذا المشروع»، مؤكداً «انه سيتم تقديم الطعون ضد المرسوم».
وأكد مختار خربة بسري أن بلدته وبلدة مزرعة المطحنة تعيشان هاجس هذا السد وانهياره لكونهما تقعان تحت الموقع المقترح للسد»، مشيراً الى ان السد بات حديث الساعة لدى الاهالي حاضرا ومستقبلا»، معتبرا ان الوضع في المنطقة اصبح غير مريح ومقلق نتيجة عدة عوامل بسبب السد».