محطات التكرير تقف شاهد زور على التلوث الجرثومي لنهر الليطاني
صحيفة السفير ـ
سامر الحسيني:
يؤكد البقاعيون أن التلوث في محافظتهم محمي بشكل رسمي وبتشريع قانوني، والأخطر أن نسب التلوث في المسطحات المائية تتصاعد يوماً بعد يوم «بتمويل من الخزينة اللبنانية»، التي هدرت عشرات الملايين من الدولارات على تنفيذ محطات التكرير، تتجاور منشأتها ونهر الليطاني، إلا أنها لا تعمل برغم جهوزيتها الكاملة لتكرير آلاف الأمتار المكعبة من الملوثات المائية السائلة، بدلاً من تخزينها في بحيرة القرعون، وعلى طول مجرى نهر الليطاني، الذي بات يحمل توصيف المجرى الأكثر تلوثاً. هي جريمة موصوفة وعن سابق تصور وتصميم، بهذه العبارة يتحدث البقاعيون، ورؤساء بلديات المنطقة، عن مشكلة التلوث الجرثومي المستفحل في البقاع، فالجريمة الموصوفة تكمن في تلكؤ الدولة اللبنانية بكل أجهزتها عن تشغيل محطات التكرير المنتشرة على طول مجرى نهر الليطاني، وقد بُحت حناجر البقاعيين وهم يدللون على التلوث القاتل، رافعين صوتهم عن المخاطر، ومحذرين من الموت اليومي الذي يحدق بهم داخل قراهم التي يخترقها نهر الليطاني، بدءاً من شمال البقاع من منطقة العليق، إلى أقصى غربه في منطقة القرعون، حيث ينتهي مطاف أكثر من 40 مليون متر مكعب من النفايات السائلة، تختزن سنوياً في بحيرة القرعون، عدا عن مئات آلاف من الأمتار المكعبة التي تستعمل في ري المزروعات في الحقول الزراعية التي تتجاور مع النهر، أو كما تنطبق عليه التسمية الأصح «مجرور» أو «وباء الليطاني». وهنا يمكن إطلاق وصف القتل عن سابق تصور وتصميم، لأن الدولة من حكومة ووزارة طاقة ومياه و«مجلس الانماء والاعمار»، تحفظ في أدراجها مئات التقارير الدولية والمحلية عن نسب التلوث، وعن أولوية المعالجة الحتمية له.
كل المعالجات الرسمية لم ترق إلى واقع المخاطر اليومية التي يخلفها التلوث على مجمل القرى والبلدات البقاعية، بل على العكس فإن الخطوات الرسمية تعد أكبر عائق امام المعالجات المقترحة لمشكلة الثلوث من خلال إهمال الدولة اللبنانية وأجهزتها الرسمية لموضوع محطات التكرير المنتشرة على طول مجرى النهر، بمنشآت وتجهيزات مكتملة من دون أن تعمل بسبب عدم وجود قرار رسمي لبناني بالتشغيل في ظل حجج وتبريرات واهية، وهي أكثر تلوثاً من النفايات السائلة في النهر.
تبدأ مسيرة العراقيل والعقبات التي تعترض محطات التكرير من شمال البقاع مع محطة إيعات وهي مكتملة التجهيز والإنشاء، وتعمل على تكرير شبكات الصرف الصحي لمدينة بعلبك وبلدة إيعات، إلا أن عملها غير منتظم ودونه عراقيل وعقبات بسبب كلفة التشغيل العالية، علماً أن الدراسات تلحظ توصيل شبكات الصرف الصحي لبقية قرى وبلدات تقع في قضاء بعلبك إلى تلك المحطة التي تستوعب تكرير مياه الصرف الصحي لقرى البقاع الشمالي، إلا أنه لا يستفاد من المحطة بالشكل المطلوب وهذا ما يفسر توقفها عن العمل بين الفترة والأخرى.
بالوصول إلى مدينة زحلة ومحطتها، التي بوشر العمل فيها منذ العام 2001، وهي ما تزال تتلقى العراقيل تلو العراقيل، من تعديل دراسات بين الفترة والأخرى إلى تعديل في الأسعار، برغم المراجعات التي قام بها رئيس بلدية زحلة – معلقة جوزف دياب المعلوف، الذي يتحدث عن مراجعات شبه يومية من أجل إطلاق عمل المحطة التي من المفترض أن تخفف ما يزيد عن 35 ألف متر مكعب من المياه الملوثة عن مجرى نهر الليطاني في اليوم الواحد. محطة زحلة ما تزال تتأرجح في سيل من العراقيل بدأت بوادرها بخلاف فرنسي – إيطالي، ومن ثم انتقل إلى نوعية الأرض واعتبارها غير صالحة للمحطة، ما أدى إلى توقف العمل لسنوات. ومن ثم امتناع صاحب الالتزام والمنفذ للمحطة عن مباشرة أعماله قبل حصوله على زيادة لكلفة التلزيم بسب فوارق في الأسعار ما بين وقت التلزيم الى وقت المباشرة بالأعمال، كما أن العقبات طالت خط سير شبكات الصرف الصحي بدءاً من قاع الريم إلى بقية البلدات البقاعية في قضاء زحلة. وفي مراجعته الأخيرة تبلغ المعلوف من المعنيين في «مجلس الإنماء والإعمار»، أن العقبات قد حلت ولكن الأعمال ما تزال متوقفة، على حد قوله. كما أن قضاء زحلة بحاجة إلى إطلاق مشروع تنفيذ محطة في عنجر لمعالجة مياه شبكات الصرف الصحي لبلدات قب الياس، وشتورة، وتعنايل، وبرالياس، والمرج، والروضة، وعنجر ومجدل عنجر.
ولم يترك بعض رؤساء البلديات البقاعية باباً، إلا وطرقوه لتشغيل بعض المحطات، بدءاً من بعلبك، مروراً بزحلة، وصولاً إلى جب جنين، التي تضم محطة تكرير انتهت فيها الأعمال منذ ثلاث سنوات، وباتت جاهزة للتشغيل بانتظار أمر من «مجلس الإنماء والاعمار»، الذي يتحجج بـ «أن تشغيل المحطة يستلزم تأمين وضخ كمية من النفايات السائلة تتجاوز 30 في المئة من طاقتها التشغيلية التي تصل إلى معالجة وتكرير أكثر من 11 الف متر مكعب يومياً»، وفق بعض رؤساء تلك البلديات.
في إحدى مراجعات رئيس «اتحاد بلديات البحيرة» ورئيس بلدية جب جنين خالد شرانق، وآخرها مشاركته اجتماع في لجنة البيئة النيابية، تلقى جواباً وهو «ملوث»، برأيه. فحين سأل شرانق عن مصير محطة جب جنين التي بدأ الصدأ يأكل معداتها وأجهزتها، وعن الأسباب التي تحول دون تشغيل تلك المحطة الموصولة إليها شبكات الصرف الصحي، التي تعود لبلدات جب جنين، وكامد اللوز، وغزة. أجيب بأن «العمل في تلك المحطة دونه عقبات، أبرزها أنه لا يوجد نفايات سائلة لتشغيلها، على الرغم من شبكات الصرف الصحي لأكثر من 100 قرية وبلدة بقاعية تمر جانب تلك المحطة، التي صرف عليها اكثر من 28 مليون دولار، وانتهت أعمالها الإنشائية منذ ثلاث سنوات. ولا تعرف الأسباب التي تحول دون تشغيلها».
ومن المفترض أن تعالج محطة جب جنين النفايات السائلة لـ 19 بلدة بقاعية، تبدأ من بوابة البقاع الغربي، أي المرج، مروراً بكل من حوش الحريمي، وغزة، والصويري، ولالا، وبعلول، والسلطان يعقوب، وعميق، وعانا، وتل دنوب، وعيتا الفخار، والمنارة، والروضة، وكامد اللوز، والخيارة، ولوسي وجب جنين. ويتأسف شرانق على مساحة الأرض التي قدمتها البلدية، وتبلغ نحو 40 دونم تضم منشآت محطة التكرير، التي تحتوي على برك كبيرة لاستيعاب مياه الصرف الصحي، إلا أنها في الأيام الحالية مليئة بمياه الأمطار، كما أن المعدات والتجهيزات متآكلة بفعل الصدأ. ولم يترك شرانق وسيلة إلا وقام بها من أجل إطلاق عمل المحطة، من دون أن يفلح، محملاً الدولة مسؤولية «هدر الأموال، والإضرار بصحة البقاعيين»، الذين باتوا اليوم بحاجة إلى من ينتشلهم من مخاطر التلوث أكثر ممن يؤمن لهم قوتهم اليومي.
في البقاع الغربي لا تعمل سوى محطة عيتنيت، من أصل ثلاث محطات تكرير موجودة بكامل جهوزيتهم في جب جنين، وصغبين، وعيتنيت، في حين أن المطلوب وفق دراسات «مجلس الإنماء والإعمار» خمس محطات تكرير. وتعمل محطة عيتنيت على تكرير أكثر من 5500 متر مكعب من مياه شبكات الصرف الصحي العائدة لبلدات القرعون، وعيتنيت، ومشغرة، مع عمل مستقبلي لتحويل شبكات الصرف الصحي العائدة لبلدتي لالا وبعلول إليها.
هي محطات يعتبرها البقاعيون طوق النجاة لحياتهم اليومية المهددة بكل أنواع الملوثات التي باتت تكتسح كل حياتهم ومصادر عيشهم، بدءاً من الآثار السلبية التي تخلفه الروائح، إلى استعمال المياه الملوثة في عملية الزرع، إلا أن تلك المخاطر الموثقة بآلاف التقارير الطبية التي توثق أن سكان منطقة حوض الليطاني باتوا من أكثر المجمعات السكانية الموبوءة والأكثر إصابة بالأمراض المعوية والصدرية والسرطانية.