صحيفة البناء ـ أحمد موسى:
استهوته الخدمة العامة، فَبَرَعَ فيها. لازمتهُ، فجهد وتعب وكان مثال الرجل الكبير بحجم الخدمة العامة وما تحمله من معانٍ وأبعاد. الناس عنده سواسية، لا يُفرق بين كبيرٍ ولا صغير، بين بلدته ومنطقته ووطنه، حتى أصبح مقصداً للعمل الإنمائي وعنواناً للإنماء في المنطقة، فكان رجلاً بحجم الإنماء الذي يفتقدهُ هذا البقاع، منذ أن وُجد على خارطة لبنان، ومحذوفاً عن «خارطة الإنماء المتوازن»، خصوصاً في السنوات الخمس الأخيرة، فغابت عنه الحكومات المتعاقبة.
الرجال كُثر، لكن العاملين الصادقين في حقل الخدمة العامة والإنماء قلّة، رجالٌ حاضرون في العمل والفعل لا في القول فقط، فهم بعيدون كل البعد عن الوجاهة، وهم الأقرب إلى الناس وخدمتهم وتنمية مناطقهم ووطنهم، والتواصل مع المغتربين، حتى أضحوا صلة وصلٍ بين الوطن لبنان وعالم الاغتراب.
عمل ابراهيم بدران بجد وكد وجهد لا تلين، بصدقٍ وإخلاصٍ وثقة لا تهتز، لا لمنصبٍ هنا أو زعامةٍ هناك أو لمرجعية أو لمحسوبية، فقط أراد التنمية عنواناً، وخدمة الناس أساساً، هدفه إشراك الاغتراب في العملية التنموية، بعيداً عن الشعاراتٍ الفارغة الجوفاء، التي لطالما عودنا عليها نواب المنطقة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البقاع، هذا الرحب، أهملته الدولة، وتجاهلته، وغيبته الحكومات المتعاقبة، وتجاهل مطالبه وحاجاته، فكان الحاضر الغائب بهم، حاضر اقتراعاً وغائب إنماءً، حتى شَغرت كراسيهم بوجودهم.
قضاء البقاع الغربي
قضاء البقاع الغربي، هو أحد أقضية محافظة البقاع الخمسة، ينحدر من الغرب بمساحته التي تتجاوز الـ470 كيلومتراً مربعاً، من أعالي جبل الباروك على ارتفاع 1900 متر، نزولاً باتجاه سهل البقاع، ليعود فيرتفع حتى يلامس سفوح سلسلة جبال لبنان الغربية. يحده من الشمال قضاء زحلة، ومن الغرب محافظة الجنوب ومحافظة جبل لبنان، ومن الجنوب محافظة النبطية، ومن الشرق قضاء راشيا، ويبلغ عدد سكانه حوالى 53500 نسمة تقريباً، أي ما يعادل 1.3 % من العدد الإجمالي لسكان لبنان، ويتوزعون على 35 بلدة في 32 منها مجالس بلدية منتخبة.
مركز القضاء هو بلدة جب جنين صيفاً وصغبين شتاءً، ويضم إضافةً إليهما، ميذون، وعين التينة، ومشغرة، وعيتنيت، وصغبين، وعين زبدة، وباب مارع، وخربة قنافار، وكفريا، وعانا، وعميق، ولبّايَا، وقليا، وزلاّيا، ويحمر، وسحمر، والقرعون، وبعلول، ولالا، وكامد اللوز، والسلطان يعقوب الموحدة، والمنارة، وغزة، والمنصورة، وتل ذنوب، والخيارة، وحوش الحريمة، والروضة، والصويري، والمرج،التي تطل على البحيرة الاصطناعية الوحيدة في لبنان. ويخترق نهر الليطاني القضاء، من شماله حتى جنوبه، وترفده مجموعة من الينابيع العذبة، من أهمها نبع عين الزرقا الذي يقام عليه الآن مشروع ضخم لمد جزء من قرى القضاء بمياه الشفة.
المنصورة
اسمها مأخوذ من اللغة العربية كما يدل اللفظ، وقد اختاره لها الأمراء الشهابيون. وفي هذه البلدة حديقة عامة تشغل مساحة 15 ألف متر مربع أصبحت محمية طبيعية لبعض انواع الطيور ومكاناً يقصده السياح والزوار من المناطق اللبنانية كافة. هذا إضافة إلى بحيرة اصطناعية صغيرة. وليست هناك حتى اليوم أية إشارة إلى وجود آثار وأطلال تحمل أية معالم تاريخية. لكن بلدة المنصورة غنية بأهلها، بوئامهم ومحبتهم لبلدتهم، على الرغم من وجود العديد من الطوائف والمذاهب.
تشتهر المنصورة بالزراعة على أنواعها، من زراعة الحبوب إلى الاشجار المثمرة وكروم العنب.
رئيس البلدية
«البناء» زارت بلدة المنصورة في البقاع الغربي، والتقت رئيس بلديتها ابراهيم بدران، وكونه يتولى نائب رئيس اتحاد بلديات السهل، الذي يضم إثنتي عشرة بلدية، فالحديث معه له أهمية من الناحيتين الإنمائية والبلدية.
وابراهيم بدران إبن بلدة المنصورة ورئيس بلديتها، عاش وترعرع فيها، بين أهلها وناسها، جُبِل من تُرابها وطيبة أهلها، مغترب، ورجُل أعمال من الطراز الأول، همّه الإنماء والتنمية لبلدته ومنطقته وصولاً إلى وطنه، فكان رجُلاً واضحاً في أهدافه ورؤيته الواسعة، وبصيرته الثاقبة، وصخرةً صلبةً لا تلين.
تحويل البلدية إلى مؤسسة
يقول بدران لـ«البناء»: «إن البلدية تقوم بمختلف المشاريع والنشاطات التي يُجيزها قانون البلديات، معتمدة على الواردات التي تجنيها، وعلى الأموال المخصصة لها من الدولة، من الصندوق البلدي المستقل».
ويهدف بدران إلى «تحويل البلدية إلى مؤسسة راقية، تعمل على تسهيل معاملات المواطنين. كما وأن البلدية تُعنى بصيانة البُنى التحتية وشق الطرق الداخلية والزراعية، ومد شبكة كهربائية جديدة، وأقنية لتصريف مياه الأمطار، وأخرى للصرف الصحي، الملحوظة بالتخطيط الجديد، وتنفيذ مشاريع ممولة من صناديق التنمية العربية ومن الاتحاد الأوروبي، وصندوق التنمية التابع لوزارة الداخلية والبلديات، وسط غيابٍ تام للدولة وحكوماتها المتعاقبة، وتجاهلٍ تام من قبل المعنيين بالمنطقة. بالإضافة إلى المشاريع الانمائية، كإنشاء الحدائق العامة والملاعب الرياضية والأندية الثقافية والصحية وغيرها التي تنفذها البلدية».
وبدران لم يتقدم للعمل البلدي سوى رغبة منه في «خدمة المصلحة العامة». وانطلاقاً من حرصه عليها، تراه يرتكز إليها في اتخاذ قراراته، ولا يُقدِم على أي خطوة تتنافى معها، على الرغم من الضغوط الشرسة والحروب الشعواء التي مُورِست عليه من قبل الآخرين، وأصحاب الخلفيات السياسية الضيقة والمرحلية والمحسوبيات، وهو صامد، همّهُ مصلحة بلدته ومواطنيها وإعلاء شأنها وتقدمها.
هدفه تنمية المنطقة
نجاحات كثيرة حققها بدران، تكللت بعطاءاتٍ سخية، جاد بها على بلدته الأم (المنصورة)، حين عمل في الشأن العام، وسعى جاهداً إلى النهوض بمجتمع بلدته وإنمائها، عاملاً لأجل رفعتها والوطن، غير آبهٍ بالصعاب أو الحواجز التي تعترض طريقهُ، وإذ به يسير على درب النجاح ويحصد نتاج تعبه، فيفوز بـ«نائب رئيس اتحاد بلديات السهل»، الذي يضم إثني عشر مجلساً بلدياً، وفاز بإجماعٍ تام، فتستعيدُ المنطقة بهذا «الإجماع» نهضةً إنمائية غابت عنها لسنواتٍ طويلة، وأمجاداً طمرها غُبار الوعود الفارغة من السياسيين، الذين أتوا على حساب المنطقة وأهلها، بعد أن غيّبتهم مرجعيات الظل وأهواء العابثين. فكان بدران فخراً لأبناء منطقته الذين عرفوا فيه الرجل الصالح، الذي لم يبخل عليهم يوماً بأي عطاء، وكان في تعاطيه الشأن العام، خير داعمٍ لهم، حريصاً كل الحرص على تلبية احتياجات منطقته الإنمائية والاجتماعية والمعيشية، والصحية والتربوية والثقافية، ونفض غُبار الحرمان والإهمال، وإذ به وبامتياز، واحد من خيرة رجالها، رائداً من رواد المجتمع اللبناني الذي لا يكبر إلا بأمثاله من اللبنانيين الأوفياء لمنطقتهم ووطنهم ومغتربيهم.
إنماء بالأولوية
جعلت البلدية من فعل الخير والإنماء والتنمية «رسالة»، عملت على تحقيقها، انطلاقاً من خدمة أهل البلدة، مهما اختلفت انتماءاتهم، الطائفية والسياسية. وبلدية المنصورة، تضع في أولويات اهتماماتها، تنمية البلدة على مستوياتٍ عدة، وكون أهاليها يعتمدون في معيشتهم على الزراعة، عملت البلدية على شق عدد من الطرق الزراعية، وشق وتوسيع وتعبيد الطرق الداخلية، وتزويدها بشبكة كهرباء وإنارة، وتحديث الشبكة القديمة بأخرى جديدة، وتنفيذ شبكة أقنية داخلية جديدة للبلدة لتصريف مياه الأمطار، وإنشاء الحدائق العامة والمتنزهات، بعد أن غابت الحكومات الماضية عنها.
وعود رحال فارغة
واقع بلدة المنصورة ذات الأرض المنبسطة، جعلها تتمتع بجمالية خلاّبة، إلاّ أن هذا الجمال عكّره تجاهل المعنيين والسياسيين والحكومات المتعاقبة في السنوات الخمس الأخيرة، كما يقول بدران لـ«البناء»، الذي يُضيف: «إن بلدة المنصورة لم تلحظ مشاريع بيئية، فغابت وزارة البيئة عنها كلياً، التي وعدتنا مراراً وتكراراً، من خلال وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال محمد رحال، بتنفيذ عدد من المشاريع في المنطقة، وفي المنصورة حيث وعدنا رحال بغرس 40 ألف متر مربع من الأشجار، لكنه لم يفِ بما وعد، أما على الصعيد البيئي، فقد وعدنا بإنشاء معمل لفرز النفايات المنزلية على مستوى قرى وبلدات البقاع الغربي، لكن الأمر بقي حبراً على ورق، من دون تنفيذ ما التزمه، بسبب السياسة التي يعتمدها من الباب الضيق، والكيدية السياسية ومصالح أزلامه».
أما في ما يخص مجرى نهر الليطاني الذي يمر في البلدة، فقد «تحول هذا النهر إلى مجرى للصرف الصحي والمياه الآسنة، الأمر الذي شكل أزمة ومعضلة بيئية وكارثةً على المستوى الصحي، نتج منها العديد من الإصابات والأمراض لدى المواطنين، بسبب تكاثر البعوض والذباب، ما سبب الأمراض التي تصيب أبناء المنطقة، خصوصاً القرى المحاذية والقريبة من مجرى النهر. هذه المعضلة ومعالجتها تتحملها وزارة البيئة بشكلٍ رئيسي، بحيث أن الوزير القيّم عليها لم يحرّك ساكناً، سوى الوعود بإيجاد الحلول، التي ذهبت أدراج الرياح، وكانت وعوداً فارغة وشبعنا من تكرارها، وملّ وضجر المواطنون وسئموا من سماعها».
يختم بدران: «مهما تجاهلت الحكومات المتعاقبة مهامها التنموية لمنطقتنا وبلدتنا، وأهملها سياسيوها، وأغدقوا علينا مشاريعهم الوهمية، ووعودهم الفارغة، فإننا أخذنا على أنفسنا تنميتها للوصول بها إلى قمة التنمية المستدامة لحاضرها ومستقبلها».
المكتبة العامة
ولأن التنمية يجب أن تلحظ البشر كما الحجر، ولأن الإنماء لا يكتمل إلا بتوفير مراكز شبابية وأندية ترعى مواهب الاطفال والشباب، كان افتتاح مركز المطالعة والتنشيط الثقافي «CLAC»، في مبنى بلدية المنصورة، التقت «البناء» مديرة المكتبة تيريز عكروش التي قالت: «ثمة معايير عديدة طلبت وزارة الثقافة توافرها في المناطق لكي تكون مقراً لمراكز المطالعة، كتوافر المقر المناسب والمبنى الملائم لمشروع كهذا. و من المعايير التي اعتمدتها الوزارة أن يكون عدد السكان بين ثمانية آلاف وعشرين ألف نسمة، كما طلبت وجود عدد لا بأس به من المدارس والطلاب للاستفادة مما تقدمه المراكز».
وقالت: «إن مراكز المطالعة والتنشيط الثقافي «CLAC» أو ما يعرف بـ«المكتبات العامة» تنتشر في مختلف المناطق اللبنانية، في البقاع الغربي: جب جنين، والمنصورة في لبنان الشمالي: القبيات، حلبا، وأميون. في جبل لبنان: كفرذبيان، بكفيا، وبرجا. في لبنان الجنوبي هنالك مراكز أيضاً في جباع، بنت جبيل، وحاصبيا. وفي ضواحي بيروت سن الفيل وحارة حريك. كما افتتح اخيراً مركز في طرابلس في الشمال وفي قب الياس في البقاع. ما يعني أن المراكز هي في تجدد دائم ومستمر في مختلف المناطق اللبنانية».
وتحدثت عكروش بأسى عن واقع المطالعة في لبنان، حيث «لا تجانس بين عدد المكتبات و انتشارها وعدد القراء، مع العلم أن الوزارة تسعى الى افتتاح المزيد من المكتبات، والانتساب مجاني، فمعظم الناس يأتون القراءة حتى و لو مجاناً، لذا ليس من انسجام بين عدد المكتبات و نسبة القراء».
وأشارت عكروش إلى أن «وزارة الثقافة بالتعاون مع البلديات المستضيفة للمراكز، حددت البنية التي تراها مناسبة، والتي تتلاءم وكل الرواد والناس والأعمار، فطلبت من البلدية آنذاك قبل البدء بالمشروع أن يكون مقر المركز في وسط القرية، وهذا ما حصل، فقد اختيرت الحديقة العامة لبناء مبنى للمركز في داخلها، يتألف من طابق أرضي، بعد ذلك طلبت الوزارة من البلدية انتقاء مسؤول و متطوعين فتم اختيارنا من أبناء القرية، وتولت الوزارة إعدادنا للعمل في تلك المراكز بالتعاون مع الوكالة الدولية الفرنكوفونية، كما اشترطت الوزارة تخصيص قسم للراشدين وآخر للصغار، كما ضمت المكتبة أجهزة سمعية و بصرية و أجهزة كومبيوتر موصولة بشبكة الإنترنت، بالاضافة الى مجموعة متنقلة من 500 كتاب (عدا عن باقي الكتب)، يتم تبادلها بين المراكز بهدف تنويع المجموعات».
الموضوع السابق
الموضوع التالي