اتّحادات عكار تتكاثر سياسيّاً ومذهبيّاً
صحيفة الأخبار ـ
روبير عبد الله:
نشأ أول اتحاد بلديات في عكار عام 2002 وضمّ 16 بلدية، ومنذ ذلك الحين راحت تتشكل الاتحادات، إلا أن عدد البلديات المنضوية فيها كان يتناقص حتى بلغ عدد آخرها، أي اتحاد بلديات السهل أربع بلديات. وإذا كانت اتحادات البلديات تراعي بعض المصالح والمواقع، إلا أن آخرها أيضاً جاء مطابقاً جداً لرعاية تلك المصالح، فلم يتكوّن الاتحاد إلا بعد توزيع مناصبه على رؤساء البلديات الأربعة!
بعيد انتهاء الانتخابات البلدية الأخيرة، ظهر مسعى حثيث لتشكيل اتحادات بلدية تنضوي فيه سائر البلديات التي لم تشملها الاتحادات البلدية الأربعة التي تشكلت على مدى أعوام العقد الأخير. ولأن الاتحادات البلدية الأربعة القائمة (اتحاد بلديات الجومة، اتحاد بلديات جرد القيطع، اتحاد بلديات وسط وساحل القيطع، واتحاد بلديات الشفت) لا تترجم، أو لا تعبّر عن حضور «تيار المستقبل» كما ظهّرته الانتخابات النيابية الأخيرة، إذ حصد مقاعد عكار النيابية السبعة، فقد بدا جليّاً حرص «المستقبل» على استيلاد اتحادات بلدية جديدة تظهر حجم نفوذه السياسي.
استغرق تشكّل اتحادات البلديات الأربعة السابقة زهاء عشر سنوات. وهي مدة كانت كافية لجعلها منسجمة، إلى حد ما، مع طبيعة الحضور والتوجهات السياسية والاجتماعية للبلدات الممثّلة، وعلى الأقل مع طبيعة التقسيمات الجغرافية في عكار بين ساحل ووسط وجرد، أو مع تقسيمات عكار الإدارية بين: الجومة، والقيطع، والسهل، والشفت، والدريب. فقد جاء اتحاد بلديات الجومة، الذي تشكل في عام 2002 على قدر منطقة نفوذ النائب السابق عصام فارس، فتولى رئاسته على الدوام سجيع عطية المدير العام لمؤسسة فارس. وأظهر اتحاد بلديات جرد القيطع، الذي تشكل في عام 2004، دقة التنافس والتوازن بين زعيم الجرد التاريخي النائب السابق وجيه البعريني وتيار المستقبل، الأمر الذي أدى إلى تولي عبد الإله زكريا رئاسة الاتحاد بتوافق ضمني بين البعريني وخصومه. أما منطقة الشفت التي تأسس اتحاد بلدياتها في عام 2004، فقد مرت إعادة انتخاب رئاسة الاتحاد فيها بمخاض عسير، عكس شدة الانقسامات بين البلديات المجاورة لحلبا مركز القضاء، وانتهت بفوز أنطوان عبود رئيس بلدية منيارة المحسوب على قوى الثامن من آذار. وبالمقابل لم يبق من موقع يحسم فيه تيار المستقبل رئاسة الاتحاد لمصلحته إلا في وسط القيطع وساحله، على الرغم من أن ذلك الحسم جاء مشوباً بخروج أكبر بلداته، بل أكبر بلدات عكار قاطبة، ببنين، من هيمنة «تيار المستقبل»، إذ حققت فيها «الجماعة الإسلامية» فوزاً ساحقاً، فجاء الطبيب كفاح الخطيب رئيساً لبلديتها.
لذلك بدا استعجال «تيار المستقبل» إنشاء اتحادات بلديات جديدة على مقاس نفوذه، ولو جرى ذلك في إطار عمليات قيصرية، أخرجت البلدات العكارية من إطار توزيعها الجغرافي الطبيعي، ليعيد توزيعها على وقع أي شيء ممكن أن يساهم في تكوين اتحاد هنا أو هناك، بمعيار وحيد هو الإتيان باتحاد محسوب على «تيار المستقبل». وبينما استغرق تشكل أربعة اتحادات بلدية زهاء عشر سنوات، ها هي ثلاثة اتحادات تعلن في غضون أقلّ من سنة واحدة. وقد رافق الإعلان عن تشكلها مفارقات، كان أبرزها إعلان تشكيل اتحاد بلديات الدريب برئاسة إبراهيم مرعب، رئيس بلدية البيرة بعد أيام على إبطال عضويته، وبالتالي رئاسته بلدية البيرة بقرار من مجلس شورى الدولة، حمل الرقم 145/2011 بتاريخ 12/12/2011، بسبب مخالفته قانون الإثراء غير المشروع، وذلك في مسعى من «تيار المستقبل» لاستباق تبلغ قائمقامية عكار قرار شورى الدولة. واقتصر اتحاد بلديات الدريب، الذي انتخب إبراهيم مرعب رئيساً له، على بضع بلدات مجاورة لبلدة البيرة، وهي إلى بلدة البيرة، السنديانة، الدوسة، خربة شار، دوير عدوية، خربة داوود والكواشرة، فخلا الاتحاد من أكثر من ثلاثة أرباع بلديات الدريب، بدءاً من بلديات جبل أكروم، مروراً بالمقيبلة في وادي خالد وبمشتى حسن وشدرا وعندقت والقبيات وغيرها، ما يقارب العشرين بلدية أخرى، ومع ذلك أطلق عليه اسم اتحاد بلديات الدريب.
كذلك أعلن عن تشكيل اتحاد بلديات نهر الأسطوان، ورافق الإعلان سابقة لم تعرفها اتحادات بلديات عكار، إذ ضمّ الاتحاد بلدات خريبة الجندي، كوشا، السويسة، مزرة بلدة، بيت الحاج (الشفت)، ودير جنين، الكويخات (الدريب)، وتلعباس الغربي (السهل). وفي تحرّي خلفيات تشكيل اتحاد تنتمي بلداته إلى كل من الشفت والدريب والسهل، كشف رئيس بلدية تلبيرة عبد الحميد سقر أن ضمّ بلدة تلعباس الغربي إلى هذا الاتحاد جاء في إطار سعي «تيار المستقبل» إلى سحب تلك البلدة (تلعباس الغربي) ومعها أيضاً تلعباس الشرقي من السهل، لكي يصار إلى تشكيل اتحاد بلديات في سهل عكار تكون فيه الهيمنة لتيار المستقبل. وفي الحقيقة، فقد نشأ اتحاد باسم اتحاد بلديات سهل عكار، وصدر مرسوم تشكيل الاتحاد بتاريخ 18 تشرين الثاني 2011، وشمل بلدات: القليعات، المقيطع، تلمعيان والحيصا، وهي البلدات السنّية في سهل عكار، باستثناء الحيصا المختلطة (سنّة وعلويون). ويقول رئيس بلدية المقيطع خالد فياض لـ«الأخبار»، الذي اتفق مع خالد المصري رئيس بلدية تلمعيان على اقتسام مدة ترؤس الاتحاد، وعلى إعطاء رئيس بلدية القليعات منصب أمين الصندوق، مقابل إعطاء منصب نائب رئيس الاتحاد لرئيس بلدية الحيصا محمد على حسين (العلوي)، إن «الفشل في تشكيل اتحاد بلديات يضم قرى السهل مجتمعة يعود إلى اشتراط رئيس بلدية تلبيرة (العلوي) رئاسة الاتحاد»، بينما، يضيف فياض، «كنا نفضل إقرار مبدأ تشكيل الاتحاد ولاحقاً يصار إلى توزيع المناصب».
من جهته، رأى عبد الحميد سقر في حديث فياض «مناورة، ماطل خلالها قرابة سنة كاملة»، ثم نجح بدعم من «تيار المستقبل» في سحب تلعباس الغربي (المسيحية) من سهل عكار وضمّها إلى اتحاد بلديات نهر الأسطوان، وحاول سحب تلعباس الشرقي (العلوية) أيضاً، بدليل أن بلدية تعلباس الغربي تقدمت مع غيرها من بلديات اتحاد نهر الأسطوان بطلب تشكيل الاتحاد، ليصبح عدد البلدات العلوية في الاتحاد المنوي تشكيله على مستوى السهل ثلاث بلدات، هي: تلبيرة، المسعودية والحيصا، مقابل أربع بلدات سنّية هي: المقيطع، تلمعيان، القليعات والعبودية، وهو ما يضمن فوز «تيار المستقبل» برئاسة الاتحاد.
هكذا فشل سهل عكار في إنشاء اتحاد بلديات يضم بلداته العلوية والسنّية وبلدته المسيحية الوحيدة، فنشأ اتحاد بلديات (سنّي) مطعّم ببلدة رئيس بلديتها علوي وثلثا ناخبيها من السنّة، مقابل مشروع اتحاد بلديات (علوي) مطعم ببلدة العبودية (السنّية) ينتظر الإعلان عنه بعد الاتفاق على بعض المناصب، بحسب رئيس بلدية المسعودية علي أحمد العلي.
ملخص مفارقات الاتحادات البلدية العكارية، بقديمها وجديدها، وبالآتي منها لاحقاً: في وسط وساحل القيطع تخرج رئاسة الاتحاد من ببنين أكبر بلدات القيطع وعكار لتحطّ في بلدة مار توما، التي بالكاد يساوي عدد ناخبيها مع عدد ناخبي سائر بلدات الاتحاد عدد ناخبي بلدة ببنين. في الشفت تخرج رئاسة الاتحاد من حلبا أكبر بلدات الشفت ومركز قضاء عكار. وفي الدريب يُنتخب رئيس اتحاد مَن فقد عضوية المجلس البلدي بحكم صادر عن شورى الدولة. الطامة الكبرى في سهل عكار حيث تسفر سنة كاملة من المفاوضات عن تشكيل اتحاد سنّي ربعه علوي، مقابل مشروع اتحاد علوي ربعه سنّي، فضلاً عن القبيات المارونية برئاسة بلديتها المستقبلية مع عندقت المارونية أيضاً، لكن برئاسة بلديتها العونية حيث لم يحط بهما الرحال حول تشكيل اتحاد بلدي يمتد ربما باتجاه بلدات أكروم السنّية ومثيلاتها في وادي خالد والمشاتي. أمام هذا الواقع، يطلّ السؤال خجولاً، هل تكون التنمية على جدول مفارقات الاتحادات البلدية في عكار؟